ابحث في المدونة

بحث في الواجب على من صلى خلف امام يقنت في صلاة الفجر وهو يرى عدم مشروعية القنوت



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد فالقنوت في صلاة الصبح من المسائل التي انتشر الخلاف فيها وكثر فيها الاحتجاج من العلماء ما بين مثبت وناف، وعلى كل فالعلماء متفقون على صحة الصلاة في كلا الحالين سواء قنت أو لم يقنت، وإنما تنازعهم في الأفضل من ذلك والأولى.


يقول شيخ الإسلام رحمه الله (1):
القسم الثاني: ما اتفق العلماء على أنه إذا فعل كلا من الأمرين كانت عبادته صحيحة، ولا إثم عليه: لكن يتنازعون في الأفضل.. وفيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، ومسألة القنوت في الفجر، والوتر، والجهر بالبسملة، وصفة الاستعاذة ونحوها من هذا الباب.. فإنهم متفقون على أن من جهر بالبسملة صحت صلاته، ومن خافت صحت صلاته وعلى أن من قنت في الفجر صحت صلاته، ومن لم يقنت فيها صحت صلاته وكذلك القنوت في الوتر. انتهى
وقال ايضا : ولهذا ينبغي للمأموم أن يتبع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد، فإذا قنت قنت معه، وإن ترك القنوت لم يقنت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به. وقال: لا تختلفوا على أئمتكم. وثبت عنه في الصحيح أنه قال: يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم. انتهى

وسئل فضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله (2)

س: هل يلزم في صلاة الفجر دعاء القنوت ؟
ج: دعاء القنوت ليس بمشروع في صلاة الفجر ولا غيرها، إنما مشروع في الوتر فقط، وهو ما يصليه الإنسان في الليل بعد صلاة العشاء، أو في آخر الليل يقنت في الركعة الأخيرة إلا في النوازل إذا نزل بهم عدو فإن الإمام يقنت في الفجر، وفي غير الفجر بعد الركوع الأخير في الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، فعله النبي صلى الله عليه وسلم، لكن في النوازل إذا نزل بالمسلمين عدو أو بطرف من أطرافهم يقنتون ويدعون الله على هذا العدو بالهزيمة، ويدعون الله للمسلمين بالنصر، كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، وإذا قنتوا فاقنت معهم، وبين لهم السنة، إذا كنت ذا علم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه (3)» ولهم شبهة لأنه قال به بعض أهل العلم، قال بالقنوت في صلاة الفجر دائما، فإذا قنتوا فاقنت معهم وعلمهم السنة إن كنت تعلم، لعلهم يستنيرون منك، وهو لا يوجب الخلاف بين المسلمين؛ لأنه قال به بعض أهل العلم، لكن تركه هو السنة والأفضل والأحوط؛ لقول سعد بن طارق: قلت لأبي: «يا أبت، إنك صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر، وخلف عمر، وخلف عثمان، وخلف علي، أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال طارق رضي الله عنه: أي بني، محدث (4)» فدل على أنه ليس من سنتهم القنوت في الفجر، إنما هذا عند الحاجة، إذا نزل بالمسلمين عدو يقنتون في النوازل في الفجر وفي غيرها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.


وسئل فضيلة الشيخ العثيمين :
هل يشرع دعاء الوتر في الركعة الأخيرة من صلاة الفجر؟ (5)
فأجاب فضيلته بقوله: دعاء الوتر المعروف الذي علمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحسن بن علي - رضي الله عنهما - "اللهم اهدني فيمن هديت"، إلى آخره لم يرد في غير الوتر، ولم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقنت به لا في الفجر ولا في غيرها، والقنوت به في الفجر لا أصل له من السنة، وأما القنوت في الفجر بغير هذا الدعاء فهو محل خلاف بين أهل العلم على قولين: أصوبهما أنه لا قنوت في الفجر إلا إذا كان هناك سبب يتعلق بالمسلمين عموماً، كما لو نزلت بهم نازلة غير الطاعون فإنهم يقنتون في الفرائض أن يرفع الله تعالى عنهم. ومع ذلك لو أن إمامه يقنت في صلاة الفجر فإنه يتابعه على قنوته، ويؤمن على دعائه كما نص على ذلك الإمام أحمد - رحمه الله - لأن هذا من باب توحيد المسلمين وجمع كلمتهم. وأما حدوث العدواة والبغضاء في مثل هذه الخلافات في أمر يسعه اجتهاد أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه لا ينبغي، بل الذي يجب وخصوصاً طالب العلم أن يكون صدره رحباً واسعاً، يسع الخلاف بينه وبين إخوانه، وخصوصاً إذا علم من إخوانه حسن القصد وسلامة الهدف وأنهم لا يريدون إلا الحق، وكانت المسألة مما تدخل في باب الاجتهاد؛ لأن اجتهادك المخالف له ليس أولى بالصواب من قوله المخالف لقولك؛ لأن القول بالاجتهاد وليس فيه نص، فكيف تنكر عليه الاجتهاد ولا تنكر على نفسك؟ فهل هذا إلا جور وعدوان في الحكم.

وسئل فضيلته أيضاً: ما حكم دعاء القنوت في الركعة الأخيرة بعد الرفع من الركوع في صلاة الفجر؟
فأجاب فضيلته قائلاً: القنوت في صلاة الفجر لا ينبغي إلا إذا كان هناك سبب، مثل أن ينزل بالمسلمين نازلة من نوازل الدهر، فإنه لا بأس أن يقنت الإمام ويدعو الله برفع هذه النازلة في صلاة الفجر وغيرها، وأما بدون سبب فإنه لا يقنت، وهذا هو القول الصحيح، ولكن لو صلى الإنسان مع إمام يقنت فإنه يتابعه، ويؤمن على دعائه، كما نص على ذلك الإمام أحمد - رحمه الله -.

وسئل فضيلته - جزاه الله خيراً -: بعض أئمة المساجد يقنتون في صلاة الفجر في الركعة الثانية ويدعون بدعاء: "اللهم اهدنا فيمن هديت"، ويزيدون عليه أدعية أخرى مختلفة، ويجعلون هذا الدعاء مختصاً بصلاة الفجر دون الصلوات الأخرى وبشكل مستمر، وبعضهم إذا نسي هذا الدعاء سجد سجود السهو، فما حكم هذا القنوت؟ وماذا يفعل المؤتم إذا قنت الإمام؟ هل يرفع يديه ويقول: آمين، أو يبقي يديه إلى جنبه ويبقى صامتاً ولا يشترك معهم في هذا القنوت؟ أرجو التوجيه مأجورين.
فأجاب قائلاً: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:...القنوت في صلاة الفجر بصفة مستمرة لغير سبب شرعي يقتضيه مخالف لسنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يقنت في صلاة الفجر على وجه مستمر لغير سبب شرعي، والذي ثبت عنه من القنوت في الفرائض أنه كان يقنت في الفرائض عند وجود سبب، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أنه يقنت في الفرائض إذا نزلت بالمسلمين نازلة تستدعي ذلك، ولا يختص هذا بصلاة الفجر، بل في جميع الصلوات.ثم اختلفوا؛ هل الذي يقنت الإمام وحده. والمراد بالإمام: الذي له السلطة العليا في الدولة أو يقنت كل إمام بجماعة في مسجد. أو يقنت كل مصل ولو منفرداً؟ فمن أهل العلم من قال: إن القنوت في النوازل خاص بالإمام؛ أي بذي السلطة العليا في الدولة؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي كان يقنت في مسجده، ولم ينقل أن غيره كان يقنت في الوقت الذي كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت فيه.ومنهم من قال: إنه يقنت كل إمام جماعة؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقنت لأنه إمام المسجد. وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (6) .ومنهم من قال: يقنت كل مصل؛ لأن هذا أمر نازل بالمسلمين، والمؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضاً....

والقول الراجح أنه يقنت الإمام العام، ويقنت غيره من أئمة المساجد، وكذلك من المصلمين وحدهم لكن لا يقنت في صلاة الفجر بصفة دائمة لغير سبب شرعي، وأن ذلك خلاف هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.وأما إذا كان هناك سبب فإنه يقنت في جميع الصلوات الخمس، على الخلاف الذي أشرت إليه آنفاً.ولكن القنوت كما قال السائل: ليس هو قنوت الوتر؛ "اللهم اهدنا فيمن هديت"، ولكن القنوت هو الدعاء بما يناسب الحال التي من أجلها شرع القنوت كما كان ذلك هدي رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثم إذا كان الإنسان مأموماً هل يتابع هذا الإمام فيرفع يديه ويؤمن معه، أم يرسل يديه على جنبيه؟

والجواب على ذلك أن نقول: بل يؤمن على دعاء الإمام ويرفع يديه تبعاً للإمام خوفاً من المخالفة. وقد نص الإمام أحمد - رحمه الله - على أن الرجل إذا ائتم برجل يقنت في صلاة الفجر، فإنه يتابعه ويؤمن على دعائه، مع أن الإمام أحمد - رحمه الله - لا يرى مشروعية القنوت في صلاة الفجر في المشهور عنه، لكنه - رحمه الله - رخص في ذلك؛ أي في متابعة الإمام الذي يقنت في صلاة الفجر خوفاً من الخلاف الذي قد يحدث معه اختلاف القلوب.

وهذا هو الذي جاء عن الصحابة - رضي الله عنهم - فإن أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه - في آخر خلافته كان يتم الصلاة في منى في الحج، فأنكر عليه من أنكر من الصحابة، لكنهم كانوا يتابعونه ويتمون الصلاة. ويذكر عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قيل له: يا أبا عبد الرحمن كيف تصلي مع أمير المؤمنين عثمان أربعاً ولم يكن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أبو بكر، ولا عمر يفعلون ذلك؟ فقال - رضي الله عنه -: "الخلاف شر" (7) .

وبقي في قول السائل: أو يرسل يديه على فخذيه".

فإن ظاهر كلامه أنه يظن أن المشروع بعد الرفع من الركوع إرسال اليدين على الفخذين، وهذا - وإن قال به من قال من أهل العلم - قول مرجوح، والذي دلت عليه السنة أن الإنسان المصلي إذا رفع من الركوع فإنه يضع يديه كما صنع فيها قبل الركوع؛ أي يضع يده اليمنى على اليسرى فوق الصدر.ودليل ذلك حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة" (8) . وهذا ثابت في صحيح البخاري.

وقوله: "في الصلاة" يعم جميع أحوال الصلاة، لكن يخرج منه حال السجود؛ لأن الإنسان في السجود تكون يديه على الأرض، وحال الجلوس؛ لأن اليدين على الفخذين، وحال الركوع؛ لأن اليدين على الركبتين. فما عدا ذلك تكون اليد اليمنى على اليسرى، كما يقتضيه هذا العموم.هذا هو القول الراجح في هذه المسألة، وبعض العلماء قال:إن السنة أن يرسل يديه بعد الركوع. والإمام أحمد - رحمه الله - قال: يخير بين أن يضع أو يرسل

وقال الشيخ المحدث الالباني رحمه الله
عندما سئل عن حكم قنوت الفجر(9) :
يظهر بان الذي لايقنت في صلاة الفجر هو الأحرى والأولى بالسنة الصحيحة

وسئل : أحيانا نصلي وراء مثل هؤلاء الناس الذين يقنتون مداومة فترى أن بعض الإخوة لا يرفعون أيديهم ولايؤمنون وراءه فما حكم ذلك ؟
الشيخ : هذا طبعا لايجوز لانه يخالف قوله عليه السلام كما نذكر دائما وأبدا ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ) فينبغي متابعة الإمام في مثل هذه المسائل الخلافية بين العلماء قديما فضلا عن ذلك حديثا فيتابع هذا الإمام ولو كان المتابع لا يرى شرعية في ذلك فيما لو صلى لنفسه . انتهى


وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله (10) -:
"... فأهلُ الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرها، وهم أسعدُ بالحديث من الطائفتين، فإنهم يقنُتون حيثُ قنت رسولُ الله ، ويتركُونه حيث تركه، فيقتدون به في فعله وتركه،ويقولون: فِعله سنة، وتركُه سنة، ومع هذا فلا يُنكرون على من داوم عليه، ولا يكرهون فعله، ولا يرونه بدعة، ولا فاعِلَه مخالفاً للسنة، كما لا يُنكِرون على من أنكره عند النوازل، ولا يرون تركه بدعة، ولا تارِكه مخالفاً للسنة، بل من قنت، فقد أحسن، ومن تركه فقد أحسن..."









__________________________________

(1) مجموع الفتاوى لابن تيميه
(2) كتاب فتاوى نور على الدرب (10/ 239) لمؤلفه: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420هـ) جمع: الدكتور محمد بن سعد الشويعر السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (346).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة، برقم (722)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم (414).
(4) أخرجه أحمد في مسند المكيين، من حديث طارق بن أشيم الأشجعي والد أبي مالك، برقم (15449)، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في ترك القنوت، برقم (402)، والنسائي في كتاب التطبيق، باب ترك القنوت، برقم (1080)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في القنوت في صلاة الفجر، برقم (1241).
(5) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (14/ 129- 135)
(6) جزء من حديث طويل رواه البخاري في الأذان باب: الأذان للمسافر ح (631) .
(7) رواه أبو داود في المناسك باب: الصلاة بمنى ح (1960) .
(8) رواه البخاري في الأذان باب: وضع اليمنى على اليسرى ح (740) .
(9) سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 703
(10) زاد المعاد: ج 1 / ص 266، طبعة الرسالة 1994م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق